كلما نما الإيمان وازداد نوره في القلب كلما أحس المرء بانشراح في صدره وتضاءلت أوقات شعوره بالضيق فإذا ما استمر النور في دخول القلب ازدادت مساحة الحياة فيه وشيئًا فشيئًا تُصبح مساحة الحياة في القلب أكبر وأكثر اتساعًا من غيرها فيحدث حدث هام ومادي يشعر به المرء في لحظة سعيدة من لحظات عمره ألا وهو شعوره بتحرك قلبه في صدره حركة سريعة ومضطربة وهذا ما يُسمى بولادة القلب الحي أو « الولادة الثانية » والتي يصفها أحد السلف بقوله كنت ساجدًا في صلاة فجر يوم من الأيام وقُمت من السجود لكني شعُرت بأن قلبي لم يقُم من سجدته أي حدث له خشوع وهبوط وشدة انجذاب إلى الأسفل وعندما قام البدن من السجود ظلَّ القلب كما هو ثم يعود بعد ذلك إلى حالته الطبيعية إلى أن تأتي لحظات أخرى في الصلاة أو الذكر أو الدعاء أو التفكر يتكرر فيها هذا الأمر بصورة لا إرادية وتفسير هذا الأمر أن القلب قبل ذلك يكون متعلقًا بأشياء تَحول بينه وبين العبودية الحقَّة لله عز وجل كالتعلق بالمال أو الناس أو المنصب أو العقار هذه الأشياء تكون بمثابة السجن الذي يعيش فيه العبد والوثاق الذي يُقيِّده فإذا ما نما الإيمان في قلبه ضعُفت تلك العلائق والأغلال حتى تأتي اللحظة السعيدة عندما تنقطع وتنفصل عن القلب فيصير حُرًّا منها مُتعلقًا بربه لذلك تجده يخشع ويهبط ويضطرب عند ذكر الله ودعائه والتضرع إليه وفي هذا المعنى يقول ابن القيم فللروح في هذا العالم نشأتان إحداهما النشأة الطبيعية المشتركة والثانية نشأة قلبية روحانية يُولد بها قلبه وينفصل عن مشيمة طبعه كما وُلد بدنه وانفصل عن مشيمة البطن وفي كتاب « الزهد » للإمام أحمد أن المسيح عليه السلام قال للحواريين إنكم لن تلِجوا ملكوت السماوات والأرض حتى تُولدوا مرتين ويستطرد ابن القيم قائلًا سمعت شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله يقول هي ولادة الأرواح والقلوب من الأبدان، وخروجها من عالم الطبيعة كما وُلدت الأبدان من البدن وخرجت منه[1] وعندما تحدث بإذن الله وفضله تلك الولادة للقلب فإنه ينتقل إلى مرحلة جديدة من مراحل حياته وتظهر آثارها بوضوح في تفاعله مع الأحداث فيصبح قلبًا رقيقًا سريع التأثر بالمواعظ سريع الوجل والاضطراب عند ذكر الله ﴿ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ ﴾ [الأنفال 2] سريع الحضور والاستدعاء في الدعاء والذكر والفكر والصلاة وبخاصة عند تكبيرة الإحرام يشعر صاحبه بهبوطه وخشوعه كحالة من حالات التأثر والتجاوب مع قراءة القرآن أو الدعاء أو الذكر أو المناجاة ﴿وَيَخِرُّونَ لِلْأَذْقَانِ يَبْكُونَ وَيَزِيدُهُمْ خُشُوعًا ﴾ [الإسراء109]وتزداد سرعة وقوة هذا التفاعل كلما زاد نور الإيمان فيه النمو الإيماني والعلاقة مع الله عز وجل لكل واحد منَّا علاقات مع الآخرين هذه العلاقات تتفاوت ما بين القوَّة والضعف فهناك من يحتل المرتبة الأولى وهناك من يحتل المرتبة العاشرة وهناك من يحتل المرتبة الخمسين مع الأخذ في الاعتبار أن هذه المراتب لا يتم ترتيبها بقرارات من الشخص بل هي نتيجة ممارسات ورصيد وثقة ومشاعر ولكل مرتبة مظاهر تميزها عن غيرها فصاحب المرتبة الأولى له مكانة خاصة عند المرء تجعله يُسِرُّ له بأسراره ويستشيره في خصوصياته يفرح بقربه ويشتاق إلى رؤيته ويَتَحيَّن أي فرصة للقائه ويسعد بصحبته ولا يمل من هذه الصحبة مهما طالت المدة أما صاحب المرتبة الخامسة مثلًا فالأمر يختلف نعم هو يفرح برؤيته ويسعد بصحبته، ولكن ليس كالأول أما صاحب المرتبة العاشرة فالعلاقة أقل بكثير ممن سبقه فإذا ما سأل الواحد منَّا نفسه عن علاقته بربِّه وأي مرتبة تحتل ؟ فإننا سنُفاجأ بأنها ليست في المراتب الأولى وذلك من خلال رصد مظاهر هذه العلاقة فلا شوق إلى لقائه ولا أُنس بمناجاته ولا سعادة في قربه ولا فرح بالخلوة به ولا تنعُّم بذكره وكل هذا بسبب ضعف الإيمان وضعف الثقة به سبحانه فإذا ما حدثت اليقظة الإيمانية الحقيقية ونما الإيمان في القلب فإن هذه العلاقة تتحسن تدريجيًّا وتنتقل من مرتبة إلى مرتبة أعلى منهاوتستمر في الصعود كلما زاد الإيمان حتى تحتل المرتبة الأولى حيث تزداد الرغبة في الله والرضا به والسعادة في ذكره والبهجة في تلاوة كلامه والأنس في الخلوة به ومناجاته يزداد الحضور القلبي الدائم معه ليُثمر سؤاله وطلب مساعدته في أموره كلها وإشهاده على ما يحدث له من تكذيب المكذبين أو إعراض المُعرضين ينتظر الفرصة التي يخلو فيها المكان وتهدأ الأصوات ليخلو بربه ويبُثُّ إليه أشواقه ويعرض عليه شكايته ويطلب منه حاجته يُسارع في استرضائه إذا ما وقع منه تقصير أو تجاوُز يزداد بذله للجهد في خدمة دينه ودعوة خلقه إليه يشعر بالغنى به ويعيش قلبه في حالة من الامتنان نحوه سبحانه يزداد ويزداد تعلقه به واستغنائه عن غيره هذا هو معنى الوصول إلى الله في الدنيا، فكما يقول ابن رجب الوصول إلى الله نوعان أحدهما في الدنيا والثاني في الآخرة فأما الوصول الدنيوي فالمراد به أن القلوب تصل إلى معرفته فإذا عرِفته أحبَّته وأنِست به فوجدته منها قريبًا ولدعائها مجيبًا كما في بعض الآثار ابن آدم اطلبني تجدني فإن وجدتني وجدت كل شيء وإن فُتُّك فاتك كل شيء وأما الوصول الأخروي فدخول الجنة التي هي دار كرامة الله لأوليائه ولكنهم في درجاتها متفاوتون في القرب بحسب تفاوت قلوبهم في القرب ﴿ وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ (10) أُولَئِكَ الْمُقَرَّبُونَ ﴾ [الواقعة 10، 11][2]
كاريوكى عضو فضي
تاريخ التسجيل : 15/04/2011 المشاركات : 1309 العمر : 27 تقيمي : 0 الدولة : المهنه : الهواية : المزاج :
موضوع: رد: حلاوة الإيمان والتعامل مع الله الثلاثاء 26 أبريل 2011 - 8:11
موضوع فى قمة الروعة والجمال
منتظرين المزيد والمزيد
وفى تقدم
فايرس عضو برونزي
تاريخ التسجيل : 28/04/2011 المشاركات : 401 العمر : 25 تقيمي : 0 الدولة : المهنه : الهواية : المزاج :
موضوع: رد: حلاوة الإيمان والتعامل مع الله الخميس 28 أبريل 2011 - 19:56
الأخضر الجزائري عضو فضي
تاريخ التسجيل : 15/04/2011 المشاركات : 1163 العمر : 26 تقيمي : 0 الدولة : المهنه : الهواية : المزاج :
موضوع: رد: حلاوة الإيمان والتعامل مع الله الأحد 1 مايو 2011 - 20:23
شكرا لك على موضوعك المميز
و بارك الله فيك
mr.maro عضو فضي
تاريخ التسجيل : 13/05/2011 المشاركات : 1500 العمر : 31 تقيمي : 0 الدولة : المهنه : الهواية : المزاج :
موضوع: رد: حلاوة الإيمان والتعامل مع الله الجمعة 13 مايو 2011 - 4:38
موضوع فى قمة الروعة والجمال
منتظرين المزيد والمزيد
وفى تقدم
aldowim عضو فضي
تاريخ التسجيل : 30/04/2011 المشاركات : 808 العمر : 34 تقيمي : 0 الدولة : المهنه : الهواية : المزاج :
موضوع: رد: حلاوة الإيمان والتعامل مع الله الجمعة 13 مايو 2011 - 4:40
آحسنت الاختيار
دومك مميز و مبدع في اختيارك لموآضيع
ربي يــــعطيك الف عافيه
ولاتحرمنا من يديدك المميز
قوآآك الله.
تحياتي
ismail- عضو فضي
تاريخ التسجيل : 13/05/2011 المشاركات : 801 العمر : 28 تقيمي : 0 الدولة : المهنه : الهواية : المزاج :
موضوع: رد: حلاوة الإيمان والتعامل مع الله السبت 14 مايو 2011 - 13:15
شكرا على الموضوع المميز بارك الله فيك
shoqiq coffee عضو برونزي
تاريخ التسجيل : 12/05/2011 المشاركات : 507 العمر : 34 تقيمي : 0 الدولة : المهنه : الهواية : المزاج :
موضوع: رد: حلاوة الإيمان والتعامل مع الله السبت 14 مايو 2011 - 19:03
روووعة اخووي موضوعك راائع
=================
ربي يعطيك كل خيير
=================
ابداااع وتقدم داائم . . . . . .
=================
ارقى التحايا -shoqiq coffee
=================
دمت بحفظ الرحمممن
nor el amel عضو مميز
تاريخ التسجيل : 14/05/2011 المشاركات : 51 العمر : 28 تقيمي : 0 الدولة : المهنه : الهواية : المزاج :
موضوع: رد: حلاوة الإيمان والتعامل مع الله السبت 14 مايو 2011 - 21:18
الف شكر على الموضوع المميز
بأنتظار المزيد
وفى تقدم
تحياتى لك
بالتوفيق
سماء الاشهار عضو برونزي
تاريخ التسجيل : 31/05/2011 المشاركات : 500 العمر : 28 تقيمي : 0 الدولة : المهنه : الهواية : المزاج :
موضوع: رد: حلاوة الإيمان والتعامل مع الله الأربعاء 1 يونيو 2011 - 8:18
شكرا على الطرح الرائع للموضوع بارك الله فيك
حبيت وبكيت عضو فضي
تاريخ التسجيل : 01/06/2011 المشاركات : 1000 العمر : 34 تقيمي : 0 الدولة : المهنه : الهواية : المزاج :
موضوع: رد: حلاوة الإيمان والتعامل مع الله الخميس 16 يونيو 2011 - 6:58
أشكرك جزيل الشكر على التوبيك الاكثر من رائع
من تقدم إلى تقدم
فلة شمعة منور متطفيش أبداً
بالتوفيق
OmaR_De$igner عضو ذهبي
تاريخ التسجيل : 14/06/2011 المشاركات : 4046 العمر : 29 تقيمي : 2 الدولة : المهنه : الهواية : المزاج :
موضوع: رد: حلاوة الإيمان والتعامل مع الله الثلاثاء 12 يوليو 2011 - 19:50
بارك الله فيك
وجزاك الله خير الجزاء
على هذا الطرع القييم
جعله الله في موازين الحسنات
تقبل مروري وتقديري
The MasTer عضو ذهبي
تاريخ التسجيل : 06/07/2011 المشاركات : 4141 العمر : 29 تقيمي : 0 الجنس : الدولة : المهنه : الهواية : المزاج :
موضوع: رد: حلاوة الإيمان والتعامل مع الله الإثنين 18 يوليو 2011 - 19:15
آحسنت الاختيار
دومك مميز و مبدع في اختيارك لموآضيع
ربي يــــعطيك الف عافيه
ولاتحرمنا من جديدك المميز
OmaR_De$igner عضو ذهبي
تاريخ التسجيل : 14/06/2011 المشاركات : 4046 العمر : 29 تقيمي : 2 الدولة : المهنه : الهواية : المزاج :
موضوع: رد: حلاوة الإيمان والتعامل مع الله الثلاثاء 19 يوليو 2011 - 7:01