بسم الله الرحمن الرحيم
الحمدلله دائماً أبداً والصلاة والسلام على نبينا محمد ليلاً ونهاراً
سرمداً وبعد :
فإن الناس فيما يعشقون مذاهب ،ولهم فيما يحبون مشارب ؛فمنهم من يعشق المال
ومنهم من يعشق النساء ومنهم من يعشق الدنيا وما فيها .
وبعض الناس عشقهم مواسم الطاعات وأيام الأعطيات ؛تكاد أرواحهم عند استقبال
تلك المواسم أن تخرج من أجسادهم فرحاً وسروراً ،وإذا رأيتهم عند فراقها
أحزنك حزنهم وهالتك دموعهم وعجبت من شوقهم .
وهؤلاء هم من يستقبلون (رمضان ) استقبالاً خاصاً فهم يعلمون أنه (حبيب
مفارق ) .
شعارهم عند استقباله :(مرحباً برمضان حبيب جاء على فاقة ).
هم يعلمون أن رمضان من أعظم مواسم الربح (لتجار الآخرة) .
هم يعلمون أنه عندما (يربط عنك عدوك بالسلاسل ) ولا تنجو منه وتبقى أسيراً
له ؛فلن تنجو منه أبدا !
فكيف تنجو ؟ أم متى تنجو؟
هم يعلمون أن من (تُفتح له أبواب الجنة ) فلا يدخلها ؛(وتغلق عنه
أبواب النار ) ويصر على اقتحامها ؛فذاك مخذول .
هم يعلمون أن من يفرط في اغتنام (ليلة) خير من (ألف شهر )فذاك محروم .
هم يتعجبون ممن (دعائه مستجاب) وقت صيامه ،كيف تبقى له حاجة لا تقضى ،أين
آماله ؟ أم أين آلامه ؟
حاجة لا ترفع في رمضان متى ترفع ؟
أمراض لا تشفى في رمضان متى تشفى ؟
هم يعلمون أن رمضان (شهر القرآن) ؛فلا تكاد مصاحفهم تفارق أيديهم قد غلبتهم
دموعهم يسألون الله من فضله عند آية رحمة ويستعيذون من عذابه عند آية وعيد
ويسبحون ربهم ليل نهار ولا (يسئمون ).
هم يعلمون أن ساعة في (صلاة التراويح ) مع الإمام تعدل قيام الليل كله فكيف
يتكاسلون عنها أم كيف يتثاقلون في أدائها !
هم يعلمون أن رمضان (شهر الجود ) وقد كان حبيبهم صلى الله عليه وسلم أجود
الناس وكان أجود ما يكون في رمضان ؛فإذا رأيت بذلهم وعطائهم ظن البخيل أنهم
ينفقون من مال غيرهم من كثرة ما يبذلون ،وشعارهم في إنفاقهم :(إنما نطعمكم
لوجه الله لا نريد منكم جزاء ولا شكورا ).
هم يعلمون أن علم لا يتوجه عمل وبال وأي وبال .
يا رب هذا رمضان قد أقبل وقد علمنا من عظيم فضلك فيه ما لا يخفى فلا تجعلنا
فيه محرومين .
يارب لك في كل ليلة منه عتقاء يارب فاجعلنا منهم ؛فإن أجسادنا على النار لا
تقوى .
يارب كم من مستقبل له لا يودعه ،وكم من مودع له لا يستقبله ؛يارب فأحسن لنا
الختام واجعل عواقب أمرنا إلى خير ،واجعلنا ممن طال عمره وحسن عمله وصلاة
ربي وسلامه على محمد وآله وأصحابه ومن اتبع هداه واقتفى أثره إلى يوم الدين
.