السلام عرليكم ورحمة الله وبركاته
الحمد لله والصلاة والسلام على اشرف المرسلين سيدنا وحبيبنا محمد عليه افضل الصلوات وازكى السلام
.المسافر لا بد له من استعداد لسفره، والاستعداد للسفر يختلف باختلاف الجهة التي يراد السفر إليها.[/size] .
.فقد تكون
جهة السفر قريبة من دار المسافر، وبيئتها مشابهة لبيئة بلده، من حيث الجو
والعادات والطعام واللباس، وغير ذلك من أنواع الشبه، وقد تكون بعيدة،
مختلفًا جوُّها وعاداتُ أهلها وطعامهم، عن عادات بلده، ولقرب البلد وبعدها،
وشدة شبهها لبلاد المسافر أو شدة مخالفتها، تأثير في استعداده للسفر...من
حيث الزاد والراحلة، اللباس وغيرها...[/size] [/size]
.
.وقد
يكون السفر إلى ديار تختلف اختلافا شديدا عن داره، كرحلات رواد الفضاء إلى
الفضاء الخارجي، وقد يبقى في الفضاء شهورا أو أكثر، بل قد يكون سفره إلى
أحد كواكب السماء، كالقمر، وهو في سفره إلى هذه الديار، يحتاج إلى استعداد
غير عادي، فيحتاج إلى تدريبات قاسية مشابهة شبها كبيرا للحالة التي سيكون
عليها في المركبة الفضائية، وفي جو شبيه بنفس الجو الذي سيكون عليه، في تلك
الرحلة.[/size]
.كما
يحتاج إلى ملابس تختلف عن ملابس الأرض العادية، بل يحتاج إلى حمل الهواء
"الأكسجين" من الأرض، ليبقى هناك على قيد الحياة، ويحتاج إلى طعام يناسب
تلك الأجواء التي سينتقل إليها، كما يحتاج إلى نفقات باهظة، وراحلة غالية
... وهذا ما نرى أمثلة له لهؤلاء المسافرين.[/size]
.ولهؤلاء المسافرين محطات معينة، أعدت إعدادا خاصا لتدريبهم، وإعدادهم إعدادا عظيما، للقيام بهذا السفر العجيب.[/size]
.ونحن
نتمنى أن يكون عندنا صناعة لهذه الأسفار، لاكتشاف الفضاء والاستفادة من
طاقاته ومنافعه، لكن مع ملء الأرض بالصلاح، ومنح أهلها الطعام والشراب
واللباس، والسعادة والعدل والأمان.[/size]
.هذه الأسفار كلها مرتبطة بدار واحدة، سواء كانت في الأرض أو في السماء، تسمى "دار الدنيا" [/size]
.أما
السفر المقصود هنا، فهو سفر من نوع آخر، وإلى ديار أخرى، وخط سير يختلف
اختلافا كبيرا، عن خطوط السير في حياتنا المعتادة، أول هذا الخط إقلاع
الروح من مطارها "الجسد" إلى بارئها، ثم إلى حياة البرزخ الفاصل بين الدنيا
والآخرة، ثم البعث والجزاء والحساب، والمرور إلى الصراط، إلى أن يصلوا إلى
آخر محطة للسفر، وهي الدار الآخرة "الجنة"[/size]
.إنه السفر إلى دار تسمى "الدار الآخرة"
سفر غاية أهله القرار في رحاب الله "الجنة" التي فيها ما لا عين رأت ولا
أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر، سفر زمنُ الاستعدادِ له العمرُ كله، وزاده
السعي المتواصل إلى رضا الله تعالى وتقواه، بعمارة الأرض عمارة تحفظها من
الفَسادَينِ: الفسادِ المادي والفسادِ المعنوي، عمارة تجلب للإنسان فيها
حياةَ سعادةٍ وأمنٍ ورخاء.[/size]
.ولهذا
السفر محطات تدريب في هذه الحياة، يديرها منهج الله على مدار الدقائق
والساعات والأيام، والأسابيع والشهور والأعوام، والقرون والعصور، والأجيال
والدهور، لا يقطع فيها العملَ إلا هادمُ اللذات ومفرق الجماعات....بل يرحل
كثير من المسافرين، و لهم أعمال باقية بعدهم تُمطِرهم بشآبيب الرحمة،
وتمدهم بأنواع الحبور والنعمة. [/size]
.ويشمل
تلك المحطات كلها، قيام المسلم بطاعة ربه تعالى، بإيمانه وعمله الصالح
الشامل، لكل ما جاء به هذا الدين، من أصول الإيمان وفروعه، وأصول الإسلام،
وأحكام الشريعة من فعل فرائض ونوافل طاعات، وترك محرمات ومكروهات، ومن
أركان الإسلام ومحطات المسافرين إلى الجنة "شهر رمضان" شهر الصبر وشهر
الطاعة والصيام، شهر الإكثار من قراء القرآن وشهر التهجد والقيام، شهر يغلق
الله فيه عن المتقين أبواب النار، ويفتح لهم فيه برحمته أبواب الجنة دار
القرار. [/size]
.إن
الهدف من التدريب في هذه المحطة، هو تأهيل المتدرب لهذا السفر، الذي لا
يوجد له نظير في هذه الحياة، فلا يحتاج المسافر إلى إذن سفره من أقاربه،
وعلى رأسهم الأبوان، ولا من رؤسائه في عمله، ولا إلى جواز سفر من دولته،
ولا تأشيرة دخول من دول عالَم الدنيا كلها...[/size]
.وليس في حاجة إلى حقيبة سفر، يملأها بملابسه، وما يحتاجه إليه في تنقلاته... كل ذلك لا يحتاج إليه المسافر إلى الجنة،[/size]
.وقد
بين الرسول صلى الله عليه وسلم، حقارة دار الدنيا هذه، وسرعة السفر منها
إلى الدار الآخرة، قال البخاري "باب قول النبي صلى الله عليه وسلم كن في
الدنيا كأنك غريب أو عابر سبيل" ثم ساق حديث عبد الله بن عمر رضي الله
عنهما قال: أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم بمنكبي، فقال: (كن في الدنيا
كأنك غريب أو عابر سبيل) وكان بن عمر يقول: إذا أمسيت فلا تنتظر الصباح،
وإذا أصبحت فلا تنتظر المساء وخذ من صحتك لمرضك ومن حياتك لموتك[/size]
.ميادين تأهيل المسافر في هذه المحطة للسفر إلى الجنة.[/size]
.المسافر إلى الجنة يحتاج إلى تدريب يؤهله لهذا السفر المبارك، وميادين التدريب كثيرة، نذكر أهمها بإذن الله. [/size]
.الميدان الأول:صيام نهار الشهر المبارك[/size]
.كيف يؤهل الصيام صاحبه للسفر إلى الجنة؟[/size]
.المسلم
الذي يصوم رمضان، إيمانا بالله وبرسوله واليوم الآخر، محتسبا صيامه
وأعماله الصالحة فيه عند ربه، جدير بأن يكون أهلا للسفر إلى جنة الخلد...[/size]
.فالصائم
بهذه الصفة، قد سيطر على نفسه وهواه وشيطانه، وهذه الثلاثة هي التي تلازم
الإنسان وتلجئه إلى تعاطي أي شيء يشتهيه، ما لم يصده عنها صاد حسي أو
معنوي.[/size]
.المانع
الحسي عدم قدرة الإنسان على تعاطي ذلك، إما بفقد الْمُشْتَهى، وإما لرقابة
بشريه تحجزه عن ذلك مع وجوده، وهذا المانع غير مُجْدٍ إذا وجد المشتهى،
وفقد الحاجز.[/size]
.أما
المانع المعنوي المؤثر، فهو ما يصاحب الإنسان في كل حالاته: في حال خلوته
بنفسه وعدم وجود المخلوقين معه، وفي حال جلوته ، أي اختلاطه بالناس، هذا
المانع هو قوة إيمانه بربه، واستحضار عظمته، وكمال إحاطة علمه، وكمال قدرته
على مجازاته، فرقابته رقابة إلهية تصبح عنده رقابة ذاتية، ثابتة في قلبه،
مانعة لجوارحه من الإقدام على ما لا يرضي ربه.