منتديات رومانسية الحياه
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.



 
الرئيسيةالرئيسية  أحدث الصورأحدث الصور  التسجيلالتسجيل  دخولدخول  

 

 مدد - نجيب محفوظ

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
MaNoOoSh
عضو فعال
عضو فعال
MaNoOoSh


تاريخ التسجيل : 18/08/2011
المشاركات : 250
العمر : 34
تقيمي : 2
الجنس : ذكر
الدولة : مدد - نجيب محفوظ Kuwit10
المهنه : 6
الهواية : مدد - نجيب محفوظ Readin10
المزاج : مدد - نجيب محفوظ Pi-ca-18
مدد - نجيب محفوظ 110

مدد - نجيب محفوظ Empty
مُساهمةموضوع: مدد - نجيب محفوظ   مدد - نجيب محفوظ Emptyالجمعة 19 أغسطس 2011 - 23:27

<tr></tr>






















مدد

عرف عبدين يوماً بحكايته التى جرت على كل لسان ، ورث دكان العطارة الصغيرة
عن أبيه ، فيسرت له رزقاً موفورا ، و عاش مع أمه بعد زواج اخوته فى بيتهم
القائم أمام الزاوية و تميز بين شباب الحارة برشاقة القوام و وداعة القسمات
، و دماثة الخلق و حسن العلاقات مع المعارف و الاصدقاء ، أما أول ما اشتهر
به من الطبائع و ألصقها بعقله و قلبه فهو إيمانه بالعرافين و ولعه بزيارة
أضرحة الأولياء ، و لم يكن يخطو خطوة حتى يستخبر أهل الذكر ، و يستعطف
القدر ،كان لعبدين جيران ، صاروا لطول الجيرة و حسن السيرة و كأنهم من صميم
الأهل ، و كانت لهم بنت تدعى شمائل ولدت بعد عبدين بعامين ، فعرفها منذ
كانا يلعبان فى الحارة أو تجمعهما زفة الفوانيس فى رمضان ، و عرفت شمائل
باشراق الوجه وحسن التكوين ، و جمال الأدب ، و أتقنت منذ فترة شئون البيت ،
و ما يلزم ربة البيت من ضرورات و كماليات ، و حتى الخط كانت تفكه ، فتكتب
اسمها كما كانت تكتب بسم الله الرحمن الرحيم .


و كان من المتفق عليه و المعروف فى الحارة أن شمائل هى عروس
عبدين ، و أن عبدين هو عريس شمائل ، و فضلا عن ذلك فقد ربط الحب بينهما ، و
مهدت البسمات لمعجزة اليوم الموعود .


و لما اقترب الوقت المناسب تحرك طبع الفتى الدفين ، و قال
:كيف لا يفوتنى سؤال الشيخ لدى كل حركة عادية أو تافهة و لا أقصده فى مصير
حياتى ، و أخذ بعضه و ذهب الى شيخه العارف بالله الشنوانى بحجرته بأم
الغلام ، و طرح سؤاله و الآخر يقبض على يده و يشم عرقه ، ثم قال له الشيخ :
اذهب الآن الى حارتك و انتظر عند مدخلها ، و سلم أمرك لأول بنت تخرج منها ،
هى التى تحمل لك سعادتك المقسومة لك فى هذه الدنيا ، و لن تحظى بخير الا
فى الآخرة.


و رجع الى حارته و هو فى غاية من التوقع و التوتر ، و كان
على شبه يقين من البنت التى سيراها ، و لكن أين تذهب شمائل فى ساعة الغروب؟
و كان سرحان الأعمى أول من خرج من الحارة ، و تلاه غلام يسوق الطوق و يغنى
" على باب حارتنا حسن القهوجى" ،


و اشتد قلق عبدين فقال فى سره : " سلمت اليك أمرى يا رب
العالمين " ، و اذا بصوت ينادى " عال الجوافة " و ظهرت عربة يد فوقها هرم
من الجوافة تدفعها حليمة ، ذهل ، لم يحول عينيه عنها ، و ضحكت هى لما رأته و
قالت مداعبة :
" واقف مثل غفير الدرك " ، و مضت نحو الميدان ، سار و هو يقول لنفسه : " يا رب لطفك و رحمتك "
أيعنى الشيخ حقا حليمة بنت أم حليمة بياعة المخلل و ابنة المرحوم أحمد
المكارى ؟ لا أحد فى حارتنا يجهل حليمة ، و هى أيضا تتعامل مع الجميع ، و
لكنه كما تقول أمها مفاخرة : "رجل بين الرجال " ، رغم رشاقة عودها و ثرائه .
و كانت مقبولة الوجه و جذابة أيضا رغم قوة نظرتها النافذة ، و خلا عبدين
الى نفسه يتفرغ للحيرة ، و يذهب مع خياله و يجىء بين شمائل و حليمة ، و شكا
سره الى صديقه الذهبى فقال له :
2 أى وجه للمقارنة بين شمائل و حليمة ! و انت عرفت شمائل من خلال الجيرة و
المعاملة و شهادة المعارف و الجيران ،أما كلام الأولياء فليس منزلاً من
السماء،


و لكن ايمان عبدين بقول الولى كان فوق أى مناقشة ،
و انتشرت رائحة الخبر رويدا رويدا ، فأثارت الدهشة و الضحك كما عثت الدموع
فى أعين كثيرة ، و حصل كلام و نزاع و صراع ، و لكن عبدين صمد لكل معارضة
بقوة ايمان لا يتزعزع ، و فى ساعة العصرية ، و قبل أن تتحرك حليمة بالعربة
ذهب عبدين الى حجرتها ، بربع الزاوى و طلب يدها من أمها ، و أخذ الخيال
يتحول الى حقيقة ، و سمع حمودة فى احدى الليالى يقول فى الغرزة على مسمع من
جميع المساطيل "المجنونة الجشعة ما أحبت أحداً سواى و لكن أعمتها صورة
دكان العطارة " .


و ذهبت العروس الى الحمام لتزيل عن جسدها الممشوق عرق
الأعوام و غبار الحارة و فلت شعرها المسكون ، فتبدت فى صورة لامعة و زفت
الى الفتى العطار فأقام معها فى شقة أما السيرجة ، و دعا ربه أن يهبه
السعادة التى ضحى فى سبيلها بقلبه و بكل اعتبار .


و كانت أياما صافية ، و انغمس عبدين فى هواه الجديد ليغطى
على أصداء حبه الأول و يدفن هواجسه و فقدت الحكاية جدتها و دهشتها فلم يعد
يتندر بها أحد ، و كان يمارس الحياة و يلاحظها بانتباه حتى لا يفوته سر من
أسرار السعادة ، و منذ بدأ المعاشرة شعر بقوتها و صلابتها و بأنه يضعف أمام
نظرتها النافذه .


و الحق أنه توقع أكثر مما كان و لكنه أقنع نفسه بأن
السعادة الموعودة ليست هبة بسيطة أو احساساً سهلا يجود بذاته منذ اللحظة
الأولى ، انها حياة عميقة ذات سراديب فلينتظر ، أما حليمة فلم تنتظر ،
سرعان ما ضاقت بحياتها فى البيت ، و لم تعد تخفى ضجرها ، و لا تمردها على
سجنها ، و تحير عبدين أمام ظاهرة غير مألوفة فى دنيا النساء . و لكنها قالت
له بصراحة و جرأة :
- دعنى أعمل فقد خلقت لذلك .


و ذهل عبدين ، و أخرسه الذهول فاستطردت:
- لا يهمك كلام الناس ، متى سكتوا عنا ؟
و كانت تصر و تصمد و كان ينفع و يتراجع ، و لم تكن تهمه الحوادث ،
باعتبارها مقدمات لسعادة لا مفر منها ، ألم يقل الشيخ الشنوانى كلمته ؟
و شهدت الحارة حليمة و هى تشارك زوجها فى دكانه و رجع الاتصال بينها و بين
زبائنها القدامى ، و رجع حمودة أيضاً بين الغمز و اللمز ، و كثر اللغط و
الضوضاء حتى سأله صديقه الذهبى :
- أتعجبك هذه السعادة ؟
و لكن عبدين بدا صامداً مؤمنا فقال له :
- الصبر طيب و النصر قريب .
و لكن حليمة اختفت فجاءة ، استولت على ما اعتبرته حقها من النقود المودعة
فى الدكان و اختفت ، و بعثت اليه رسولا يعتذر اليه و يطلب الطلاق ، كب كل
شىء على عبدين ، و قوض الزلزال صبره فبكى ، و لما رأى صديقه الذهبى مقبلا
تعانقا بحرارة ، و فى أثناء العناق استرد الكثير من روحه الضائعة ،
و قال لصديقة :
- سأطلقها فى الحال .
فلم يخف صديقه فرحه ، و نظر عبدين اليه طويلا فى فتره صمت ثم قال :
-انها ستجرب حظها بعيدا و لكنها ستعود تائبة !
و تنهد ثم قال لصديقه الذاهل :
- كلمة الشيخ الشنوانى لا تكذب ..







































الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
مدد - نجيب محفوظ
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
منتديات رومانسية الحياه :: قسم طاقم الادارة :: سلة المحذوفات :: المنتديات الأدبية :: القصص والروايات-
انتقل الى: