منتديات رومانسية الحياه
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.



 
الرئيسيةالرئيسية  أحدث الصورأحدث الصور  التسجيلالتسجيل  دخولدخول  

 

 من أسرار البيان في أمثال القرآن: مثل المنافقين

اذهب الى الأسفل 
2 مشترك
كاتب الموضوعرسالة
اعصار
عضو برونزي
عضو برونزي
اعصار


تاريخ التسجيل : 09/08/2011
المشاركات : 545
العمر : 41
تقيمي : 2
الجنس : ذكر
الدولة : من أسرار البيان في أمثال القرآن: مثل المنافقين  Jazaer10
المهنه : 2
الهواية : من أسرار البيان في أمثال القرآن: مثل المنافقين  Chess10
المزاج : من أسرار البيان في أمثال القرآن: مثل المنافقين  Pi-ca-20
من أسرار البيان في أمثال القرآن: مثل المنافقين  2i8ugs10

من أسرار البيان في أمثال القرآن: مثل المنافقين  Empty
مُساهمةموضوع: من أسرار البيان في أمثال القرآن: مثل المنافقين    من أسرار البيان في أمثال القرآن: مثل المنافقين  Emptyالأربعاء 10 أغسطس 2011 - 11:17

ال الله تعالى:﴿
مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ نَارًا فَلَمَّا أَضَاءَتْ مَا
حَوْلَهُ ذَهَبَ اللَّهُ بِنُورِهِمْ وَتَرَكَهُمْ فِي ظُلُمَاتٍ لَا
يُبْصِرُونَ
*صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لَا يَرْجِعُونَ *أَوْ
كَصَيِّبٍ مِنَ السَّمَاءِ فِيهِ ظُلُمَاتٌ وَرَعْدٌ وَبَرْقٌ
يَجْعَلُونَ أَصَابِعَهُمْ فِي آَذَانِهِمْ مِنَ الصَّوَاعِقِ حَذَرَ
الْمَوْتِ وَاللَّهُ مُحِيطٌ بِالْكَافِرِينَ
*
يَكَادُ الْبَرْقُ يَخْطَفُ أَبْصَارَهُمْ كُلَّمَا أَضَاءَ لَهُمْ
مَشَوْا فِيهِ وَإِذَا أَظْلَمَ عَلَيْهِمْ قَامُوا وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ
لَذَهَبَ بِسَمْعِهِمْ وَأَبْصَارِهِمْ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ
قَدير ﴾
(البقرة:17- 20)

لمَّا أخبر الله تعالى في أوائل سورة البقرة عن أحوال المنافقين مع الرسول صلى الله عليه وسلم،
ومع القرآن الكريم، وبيَّن حقيقة مواقفهم منهما، وكشف عن مكنون صدورهم،
وفضح نفاقهم، أراد سبحانه وتعالى أن يكشفَ عن تلك الأحوال، والمواقف كشفًا
تامًّا، ويبرزَها في معرض المحسوس المشاهد؛ فأتبعها بضرب هذين المثلين،
زيادة في التوضيح والتقرير، ومبالغة في البيان.


وهما
مثلان لكلِّ من آتاه الله ضربًا من الهدى، فأضاعه ولم يتوصلْ به إلى نعيم
الأبد، فبقيَ متحيِّرًا متحسِّرًا، يخبط في ظلمات الجهل والضلال. ويدخل
في عمومه هؤلاء المنافقون؛ فإنهم أضاعوا ما نطقت به ألسنتهم من الحق،
باستبطان الكفر وإظهاره حين خلَوا إلى شياطينهم، وكانوا غالبًا من أحبار
اليهود، الذين
كانوا يجدون في هؤلاء المنافقين أداة لتمزيق الصف الإسلامي وتفتيته؛ كما أن هؤلاء كانوا يجدون فيهم سندًا لهم وملاذًا.


﴿وَإِذَا لَقُوا الَّذِينَ آَمَنُوا قَالُوا آَمَنَّا وَإِذَا خَلَوْا
إِلَى شَيَاطِينِهِمْ قَالُوا إِنَّا مَعَكُمْ إِنَّمَا نَحْنُ
مُسْتَهْزِئُونَ
* اللَّهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ وَيَمُدُّهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ * أُولَئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الضَّلَالَةَ بِالْهُدَى فَمَا رَبِحَتْ تِجَارَتُهُمْ وَمَا كَانُوا مُهْتَدِين (البقرة:14-16).

هؤلاء المنافقون، الذين اشترَوا الضلالة بالهدى، والكفر بالإيمان، فخسروا كلتا الطلبتين؛
كأغفل ما يكون المتجرون، وفشلوا في تحقيق مآربهم الخبيثة، وأهدافهم
الدنيئة، وحرموا أنفسهم من السعادة، التي رسم الله تعالى لهم طريقها، ثم
غادروا
دنياهم، وهم صفر اليدين من كل خير، مثقلون بأنواع الذنوب والآثام، كانوا-
وما زالوا- أشدَّ خطرًا على الإسلام من الكافرين، الذين
﴿خَتَمَ اللّهُ عَلَى قُلُوبِهمْ وَعَلَى سَمْعِهِمْ وَعَلَى أَبْصَارِهِمْ غِشَاوَةٌ (البقرة:7).

ولهذا جاءت آيات الله تعالى تنبِّه على صفاتهم، وتفضح نفاقهم، وتكشف عن حقيقتهم، وتحذر من خطرهم على المسلمين وعلىالكافرين؛ لئلا يغترَّ المؤمنون بظاهر أمرهم، فيقع لذلك فساد عريض من عدم الاحترازمنهم،
ومن اعتقاد إيمانهم، وهم كفار في نفس الأمر. وهذا- كما قال ابن كثير- من
المحذورات الكبار أن يظَن لأهل الفجور خير، فقال تعالى:
﴿ وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آَمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالْيَوْمِ الْآَخِرِ وَمَا هُمْ بِمُؤْمِنِينَ ﴾(البقرة:8).
أي: يقولون ذلك قولاً ليس وراءه شيء آخر، فكذبهم الله تعالى، ثم شرع يعدد
صفاتهم، ويفضح نفاقهم، ويكشف عن زيغهم، وفساد قلوبهم، ويرد عليهم
أقوالهم؛ وهم الذين حذّر الله تعالى نبيه صلى الله عليه وسلم منهم، بقوله
سبحانه:
﴿ هُمُ الْعَدُوُّ فَاحْذَرْهُمْ (المنافقون:4).

هؤلاء المنافقون هم الذين ضرب الله تعالى لهم هذين المثلين، اللذين يصوران حقيقة أحوالهم،ويكشفان عن مكنون صدورهم، ويفضحان نفاقهم،ويرسمان ما كان يتولَّد في نفوسهم عند سماعهم القرآن من قلق واضطراب، وذعر وخوف، وحسرة وحيرة، وتيه وضلال، نتيجة كذبهم، وخداعهم، وتعاليهم، واستهزائهم، وتآمرهم.

والمنافقون الذين ضُرِب لهم هذان المثلان هم قسم واحد خلافًا لمن ذهب إلى أنهم قسمان، وأن
المثل الأول منهما مضروب للقسم الأول، وهم الذين آمنوا، ثم كفروا، وأن
الثاني مضروب للقسم الثاني، وهم الذين لا يزالون على نفاقهم، مترددين بين
الإيمان والكفر. وخلافًا لمن ذهب إلى أن المثل الأول يخصُّ طائفة
الكافرين، الذين قال الله تعالى في حقهم:
﴿ خَتَمَ اللّهُ عَلَى قُلُوبِهمْ وَعَلَى سَمْعِهِمْ وَعَلَى أَبْصَارِهِمْ غِشَاوَةٌ وّلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ ﴾(البقرة:7). وأن المثل الثاني يخصُّ طائفة المنافقين، الذين قال الله تعالى في حقهم:﴿ وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آَمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالْيَوْمِ الْآَخِرِ وَمَا هُمْ بِمُؤْمِنِينَ ﴾(البقرة:8)؛
لأنالمنافقين، وإن كانوا- على ما قيل- قسمين: أئمة، وسادة مردوا على
النفاق، وأتباع لهم كالبهائم والأنعام، فإن الأوصاف، التي ذكرت في الآيات
السابقة من سورة البقرة هي أوصاف رءوس النفاق، لا أوصاف أتباعهم، وإن كانت
تشملهم جميعًا؛ وهم المشار إليهم بقوله تعالى:
﴿ أُولَئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الضَّلَالَةَ بِالْهُدَى فَمَا رَبِحَتْ تِجَارَتُهُمْ وَمَا كَانُوا مُهْتَدِين (البقرة:14).

المثل الأول: مثل المنافقين مع رسول الله(صلى الله عليه وسلم)


﴿ مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ نَارًا فَلَمَّا أَضَاءَتْ مَا
حَوْلَهُ ذَهَبَ اللَّهُ بِنُورِهِمْ وَتَرَكَهُمْ فِي ظُلُمَاتٍ لَا
يُبْصِرُونَ
* صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لَا يَرْجِعُونَ﴾ (البقرة:17- 18)

وهو
مثل يصور حقيقة المنافقين مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومواقفهم منه
بصورة طائفة من الناس مع الذي استوقد نارًا في ليلة شديدة الظلمة. فلما
حصل لهم نور من ضوء تلك النار، ذهب الله بنورهم، وتركهم يخبطون في ظلمات
بعضها فوق بعض؛ لأنهم آثروا الظلمة على النور، والضلالة على الهدى..
كذلك كان حال المنافقين مع رسول الله صلى الله عليه وسلم.


وجمهور المفسرين على القول إن مثل المنافقين، ومثل الذي استوقد نارًا
معناه: صفتهم العجيبة كصفته. وذهب الزمخشري إلى أن المعنى: حالهم العجيبة
الشأن كحال الذي استوقد نارًا.
وهذا القول يرجع إلى القول الأول. وذهب ابن عطية إلى أن المعنى: أن الذي يتحصل في نفس الناظر في أمرهم كمثل الذي يتحصل في نفس الناظر في أمر المستوقد.

ولكن ظاهر لفظ المثل يقتضي أن يكون
للمنافقين مَثَلٌ مطابق لهم في تمام أحوالهم، وأن يكون للذي استوقد نارًا
مَثَلٌ مطابق له في تمام أحواله. وكلاهما معنى معلوم موجود في الذهن،
الأول معقول، والثاني محسوس. وما بينهما وجه شبه، دلت عليه كاف التشبيه؛
وكأنه قيل: هذا المثل كهذا المثل. أي هذا المثل يشبه هذا المثل في بعض
أحواله وصفاته.


ولو
لم يكن في الكلام هذه الكاف، لكان بين المثلين تماثلٌ، أو تطابق في تمام
الأحوال والصفات؛ لأن التقدير- حينئذ- يكون: مَثلهم مَثلُ الذي استوقد
نارًا. ولكن وجود الكاف حصَّن المعنى من هذا التأويل، الذي ذهب إليه بعض
النحاة والمفسرين، حين حكموا على هذه الكاف بالزيادة.


وننظر فيما بين المثلين من وجه شبَه:

فنرى في المثل الأول- وهو المشبه- أن المنافقين كانوا في زمرة الكافرين، ثم إنهم أعلنوا إيمانهم للنبي صلى الله عليه وسلم، واتخذوا هذا الإيمان، جُنـَّة يتَّقون بها يد المؤمنين إذا هي علَت على الكافرين، وأنزلتهم على
حكمهم، وذريعة يتوصَّلون بها إلى ما قد يفيءُ الله على المؤمنين من خير؛
فكان أن فضح الله نفاقهم، وجاءت آياته، تنزع عنهم هذا الثوب، الذي ستروا
به هذا النفاق.


ونرى
في المثل الثاني- وهو المشبه به- أن الذي استوقد نارًا كان واحدًا في
جماعة، في ليل شديد الظلمة، فاستوقد نارًا. أي: طلب أن توقد له. ولما
أوقدت النار، وأضاءت ما حوله، واجتمع القوم على ضوئها، الذي بدَّد بنوره
ظلام الليل الحالك، ذهب الله تعالى بنور طائفة مخصوصة منهم، فلم يرَوا ما
حولهم، ولم يعرفوا وجه الطريق الذي يسلكون، فركبتهم الحَيْرة، وقيَّدهم
العمى والضلال. كذلك كان حال المنافقين مع رسول الله صلى الله عليه وسلم.


قال ابن كثير:وفي
هذا المثل دلالة على أنهم آمنوا، ثم كفروا؛ كما أخبر تعالى عنهم في غير
هذا الموضع، والله أعلم. وقد حكى هذا الذي قلناه الرازي في تفسيره عن
السدي، ثم قال: والتشبيه ههنا في غاية الصحة؛ لأنهم بإيمانهم اكتسبوا
أولاً نورًا، ثم بنفاقهم ثانيًا أبطلوا ذلك، فوقعوا في حيرة عظيمة؛ فإنه
لا حيرة أعظم من حيرة الدين
.

وأضاف ابن كثير قائلاً:وزعم ابن جرير الطبري أن المضروب لهم المثل- ههنا- لم يؤمنوا في وقت من الأوقات، واحتج بقوله تعالى:﴿ وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آَمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالْيَوْمِ الْآَخِرِ وَمَا هُمْ بِمُؤْمِنِينَ ﴾(البقرة:8).


والصواب: أن هذا إخبار عنهم في حال نفاقهم وكفرهم، وهذا لا ينفي أنه كان
حصل لهم إيمان قبل ذلك، ثم سلبوه، وطبع على قلوبهم. ولم يستحضر ابن جرير
هذه الآية- ههنا- وهي قوله تعالى:
﴿ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ آَمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا فَطُبِعَ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لَا يَفْقَهُونَ ﴾(المنافقون:3)؛ فلهذا وجَّه هذا المثل بأنهم استضاءوا بما أظهروه من كلمة الإيمان. أي: في الدنيا، ثم أعقبهم ظلمات يوم القيامة.

ونقرأ قوله تعالى:﴿ مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ نَارًا فَلَمَّا أَضَاءَتْ مَا حَوْلَهُ ذَهَبَ اللَّهُ بِنُورِهِمْ﴾، فنجد فيه لمحة، من لمحات الإعجاز البياني، نجدها في هذا التخالف بين أجزاء الصورة، في المشبه به؛ حيث كان الظاهر أن يقال:﴿مثلهم كمثل الذين استوقدوا نارًا. فلما أضاءت ما حولهم، ذهب الله بنورهم ﴾.

أو يقال:﴿مثلهم كمثل الذي استوقد نارًا. فلما أضاءت ما حوله، ذهب الله بنوره ﴾.

وبذلك يتم التطابق بين أجزاء الصورة.

ولكن جاء النظم المعجز في الآية الكريمة على خلاف هذا الظاهر. وللنحاة والمفسرين، في تفسير ذلك والتعليل له، أقوالٌ أشهرُها: أن﴿ الَّذِي ﴾- هنا- مفرد في اللفظ، ومعناه على الجمع؛ ولذلك قال تعالى:﴿ ذَهَبَ اللَّهُ بِنُورِهِمْ ﴾، فحمِل أول الكلام على الواحد، وآخره على الجمع. والتقدير: مثلهم كمثل الذين استوقدوا نارًا، فلما أضاءت ما حولهم، ذهب الله بنورهم.

وقيل: إنما وُحِّد ﴿الَّذِي ﴾، وما بعده؛ لأن المستوقد كان واحدًا من جماعة، تولّى الإيقاد لهم، فلما ذهب الضوءُ، رجع عليهم جميعًا.

وذهب بعضهم إلى القول بأن جواب ﴿ فلَمَّا ﴾محذوف للإيجاز، تقديره: خمدت، أو طفئت. وأن قوله تعالى:﴿ ذَهَبَ اللَّهُ بِنُورِهِمْ ﴾ كلام مستأنف، راجع إلى بيان حال الممثل.

ولكن
هذا كله ممَّا يفسد المعنى؛ حيث يَقضي بهذا الحكم على مستوقد النار،
فيذهب بنوره، الذي رفعه لهداية الناس؛ وحيث يقع هذا الحكم على غير
المنافقين، من طالبي الهدى عنده. والصورة، التي رسمتها الآية الكريمة،
تأخذ المنافقين وحدهم بجرمهم، فتحرمهم الإفادة من هذا النور، الذي ملأ
الوجود من حولهم، ثم لا تحرم المهتدين ما أفادوا من
هدى.

وجاء في حاشية الكشاف عن جواب﴿ فَلَمَّا ﴾قول ابن المنير:فالظاهر أن يجعل﴿ ذَهَبَ اللَّهُ بِنُورِهِمْ ﴾جواب﴿ فَلَمَّا ﴾، إلا أن فيه مانعًا لفظيًّا، هو توحيد الضمير في﴿ اسْتَوْقَدَ﴾و﴿ حَوْلَهُ﴾، وجمعه في﴿ بِنُورِهِمْ﴾. ومعنويَّا، وهو أن المستوقد لم يفعل ما يستحق به إذهاب النور، بخلاف المنافق؛ فجَعْلُهُ جوابًا يحتاج إلى تأويل .

وتأويله ليس على ما تقدم من أقوال؛ وإنما تأويلهعلى ما ذكرنا أن هذا ﴿الَّذِي اسْتَوْقَدَ نَارًا ﴾كان
واحدًا في جماعة معه، استدعى إيقاد النار. أي: طلبه، وسعى في تحصيله،
فلما أوقِدت له النار وأضاءت ما حوله واجتمع القوم على ضوئها، ذهب الله
بنور طائفة مخصوصة منهم
.

كذلك كان شأن المنافقين وحالهم، مع رسول الله صلى الله عليه وسلم المبعوث هدًى ورحمة للعالمين، كذبٌ ونفاق وخداعٌ وإفساد واستهزاء، فكان أن وقعوا في ضلالتهم، التي اشتروها بالهدى، وخبطوا في مستنقع الحيرة، التي أدهشتهم؛ولهذا كذبهم الله تعالى بادعائهم الإيمان، وذمَّهم بأنهم دخلوا في الإيمان، ثم خرجوا منه بقوله الله تعالى:

﴿إِذَا
جَاءَكَ الْمُنَافِقُونَ قَالُوا نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ
وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّ
الْمُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ
* اتَّخَذُوا أَيْمَانَهُمْ جُنَّةً فَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ إِنَّهُمْ سَاءَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ *ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ آَمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا فَطُبِعَ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لَا يَفْقَهُونَ ﴾(المنافقون:1-3).

وبذلك يكون الغرض من هذا التمثيل: تشبيه مثلالمنافقين مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، بمثل القوم مع الذي استوقد نارًا، وما حصل لهم من إذهاب نورهم؛ لأنهم آثروا الظلمة على النور.

وتقدير
الكلام: مثل المنافقين مع رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ كمثل قوم
اجتمعوا مع غيرهم على ضوء نار، استوقدها رجل منهم. فلما أضاءت ما حوله
وحصل لهم نور من ضوء هذه النار، ذهب الله بنورهم، وتركهم في ظلمات لا
يبصرون. فحذف من المشبه ما أثبت نظيره في المشبه به، وحذف من المشبه به ما
أثبت
نظيره في المشبه. وقد طوي ذكركل منهما اعتمادًا
على أن الأفهام الصحيحة، تستخرج ما بين المشبه، والمشبه به من المطابقة
برد الكلام إلى أصله على أيسر وجه وأتمه. وهذا من ألطف أنواع البديع
وأبدعها.


وبهذا الفهم لمعنى الآية الكريمة يكون قوله تعالى:﴿ الَّذِي اسْتَوْقَدَ نَارًا ﴾مثلاً لرسول الله صلى الله عليه وسلم، ويكون قوله تعالى:﴿ ذَهَبَ اللَّهُ بِنُورِهِمْ ﴾مثلاً للمنافقين.ويدل على ذلك ما رواه الشيخان في الصحيحين عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من قوله: إنما مَثلي ومَثل أمتي؛ كمَثل رجل استوقد نارًا. فجعلت الدوابُّ، وهذه الفراش، يقعْن فيها. فأنا آخذٌ بحِجْزكم، وأنتم تُقحَمون فيها .

وفي رواية أخرى: إنما مَثلي ومَثل الناس؛ كمَثل رجل استوقد نارًا. فلما أضاءت ما حوله، جعل الفراش، وهذه الدواب، التي تقع في النار، يقعن فيها، فجعل ينزعهن ويغلبنه، فيقتحمن فيها.. فأنا آخذ بحجزكم عن النار، وأنتم تقحمون فيها .


فمثَّل- عليه الصلاة والسلام- نفسه برجل استوقد نارًا، ومثل الناس، الذين
لم ينتفعوا بضوء النار بالفراش والدوابِّ، التي تقع في النار.


فليس
بعد هذا البيان لمدَّع أن يدَّعي أن الذي استوقد نارًا مثلٌ للمنافق، وأن
ناره، التي استوقدها خمدت. وكيف يكون منافقًا من أضاء بناره الوجود من
حوله، ثم يُؤخَذ
بجرم
المنافقين؟ وكيف يحكم على ناره، التي استوقدها لهداية الناس بالخمود
والانطفاء.. هذه النار، التي أوقدها الله تعالى؛ ليهتدي بنور ضوئها كل
موجود في هذا الوجود؟!


ونقرأ قوله تعالى:﴿ ذَهَبَ اللَّهُ بِنُورِهِمْ ﴾، فنجد لمحة أخرى، من لمحات الإعجاز البياني؛ حيث كان الظاهر أن يقال:{ أذهب الله نورَهم }، وكذا قرأ اليمانيُّ. أو يقال:{ ذهب الله بنارهم، أو بضوئهم }.

ولكنَّ الله تعالى، لم يقل هذا، ولا ذاك؛ وإنما قال:﴿ ذَهَبَ اللَّهُ بِنُورِهِمْ ﴾، فأسند سبحانه الذهاب إليه حقيقة، لا مجازًا، واختار النور، على النار وضوئها.

أما
إسناد الذهاب إليه سبحانه فللدِّلالة على المبالغة؛ ولذلك عُدِّيَ الفعل
بالباء، دون الهمزة، لما فيها من معنى الاستصحاب والاستمساك.. وبيان ذلك:


أنه إذا قيل: ذهب الشيءُ، فمعناه: مضى إلى رجعة، أو غير رجعة؛ قوله تعالى:﴿ وَقَالَ إِنِّي ذَاهِبٌ إِلَى رَبِّي سَيَهْدِينِ ﴾(الصافات:99). وقوله تعالى:﴿ فَلَمَّا ذَهَبَ عَنْ إِبْرَاهِيمَ الرَّوْعُ وَجَاءتْهُ الْبُشْرَى يُجَادِلُنَا فِي قَوْمِ لُوطٍ ﴾(هود:74).

وإذا قيل: أذهبَ فلانٌ الشيءَ، فمعناه: أزاله من الوجود، وجعله ذاهبًا؛ ومنه قوله تعالى:﴿إِن يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَيَأْتِ بِخَلْقٍ جَدِيدٍ ﴾(إبراهيم:19).

فإذا
قيل: ذهبَ فلانٌ بالشيء، يُفهَمُ منه: أنه استصحبه معه، وأمسكه عن الرجوع
إلى الحالة الأولى، التي كان عليها؛ وكأنه التصق به التصاقًا. وليس كذلك:
أذهبه؛ ومنه قوله تعالى في يوسف عليه السلام:
﴿ فَلَمَّا ذَهَبُواْ بِهِ وَأَجْمَعُواْ أَن يَجْعَلُوهُ فِي غَيَابَةِ الْجُبِّ ﴾(يوسف:15).

فثبت بذلك: أنَّ{ ذهب بالشيءِ }أبلغ من { أذهب الشيءَ}، وأصلهما جميعًا: الذهاب، الذي هو المُضِيُّ.
وكلاهما متعدٍّ إلى المفعول: الأول بنفسه، والثاني بوساطة الباء؛ ولهذا
لا يجوز القول بزيادة هذه الباء، وأن المعنى معها، وبدونها سواء.


وأما اختيار النور على النار وضوئها فلأنه
المراد من استيقاد النار؛ إذ هو أعظم منافعها، ولكونه الأنسب بحال
المنافقين، الذين حُرموا الانتفاع والإضاءة، بما جاء من عند الله، ممَّا
سمَّاه الله نورًا في قوله:
﴿ َقدْ جَاءكُم مِّنَ اللّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُّبِينٌ ﴾(المائدة:15)؛ فكأنَّ الله عزَّ شأنه أمسك عنهم النور، وحرمهم الانتفاع به، ولم يسمِّه سبحانه ضوءًا، أو نارًا؛ لتتأتَّى هذه الإشارة.

والنار جَوهرٌ، لطيفٌ، نيِّرٌ، واشتقاقها من نار ينور، إذا نفر؛ لأن فيها حركة واضطرابًا،وتنكيرها للتفخيم. ومن أخصِّ أوصافها: الإحراقُ والإضاءةُ.والإضاءة: فرط الإنارة.
يقال: ضاءت النار، وأضاءت، وأضاءها غيرُها، وما انتشر منها يسمى: ضوءًا.
والفرق بينه، وبين النور: أن الضوء ما يكون للشيء لذاته؛ كما للشمس.
والنور ما يكون من غيره؛ كما للقمر. ومصداق ذلك قوله تعالى:
﴿ هُوَ الَّذِي جَعَلَ الشَّمْسَ ضِيَاء وَالْقَمَرَ نُوراً ﴾(يونس:5)

هذا وقد اشتهر في العرف أن الضوء، ينتشر من المضيء إلى مقابلاته، فيجعلها مستضيئة؛ ولهذا قال تعالى:﴿ فَلَمَّا أَضَاءَتْ مَا حَوْلَهُ ذَهَبَ اللَّهُ بِنُورِهِمْ ﴾،
فأضاف النور إلى المنافقين، الذين اجتمعوا على ضوء هذه النار، مع
المجتمعين. فلو قيل: ذهب الله بضوئهم، أفاد ذلك أن لهؤلاء المنافقين
ضوءًا؛ كما أن للنار والشمس ضوءًا. وهذا باطل. فهم مستضيئون، لا مضيئون.
وما انعكس عليهم من ضوء النار، نتيجة استضاءتهم به هو نورهم، الذي أمسكه
الله تعالى عنهم، وحرمهم من الانتفاع به. ولو قيل: ذهب الله بنارهم،
لفُهِم منه أن النار هي نارهم، وأنهم هم الذين أوقدوها. وهذا خلاف المراد.


وقوله تعالى:﴿ وَتَرَكَهُمْ فِي ظُلُمَاتٍ لَا يُبْصِرُونَ ﴾ عطفٌ على قوله:﴿ ذَهَبَ اللَّهُ بِنُورِهِمْ ﴾. ويُستفاد منه التأكيد والتقرير، لانتفاء النور عنهم بالكليَّة، تِبْعًا لما فيه من
ذكر الظلمة المنافية للنور، ثم إيرادِ ما يدل على أنها ظلمة، لا يتراءى
فيها شبحان. والقصد من هذا التأكيد والتقرير زيادة إيضاح الحالة، التي
صاروا إليها.


أما قوله تعالى:﴿ وَتَرَكَهُمْ ﴾ فهو إشارة إلى تحقيرهموعدم المبالاة بهم، لما فيه من معنى الطرح للمتروك. و﴿ ظُلُمَاتٍ ﴾
جمع: ظلمة. والظلمة هي عدم النور. وقيل: هي عرض ينافي النور. واشتقاقها من
قولهم: ما ظلمك أن تفعل كذا: أي ما منعك وشغلك؛ لأنها تسدّ البصر وتمنع
الرؤية. وقرأ الحسن:
﴿ ظُلْمَاتٍ ﴾، بسكون اللام.وجمعها وتنكيرها، لقصد بيان شدتها؛ كقول النبي صلى الله عليه وسلم:الظلم ظلمات يوم القيامة؛ فإن الكثرة، لما كانت في العرف سبب القوة، أطلقوها على مطلق القوة، وإن لم يكن ثمَّة تعدد، ولا كثرة.

ومن اللطائف البديعة أن{ الظلمة }حيثما وقعت في القرآن، وقعت مجموعة، وأن{ النور }حيثما وقع، وقع مفردًا.ولعل
السبب هو أن الظلمة، وإن قلَّت، تستكثر. وأن النور، وإن كثُر، يُستقلّ ما
لم يضرَّ. وأيضًا فكثيرًا ما يشار بهما إلى نحْو الكفر والإيمان. والقليل
من الكفر كثيرٌ، والكثير من الإيمان قليلٌ، فلا ينبغي الركونُ إلى قليل
من ذاك، ولا الاكتفاء بكثير من هذا.


وفي ذلك تأكيد على أن الظلمات المذكورة هي ظلمة واحدة، لا متعددة؛ ولكنها لشدتها استعير لها صيغة الجمع مبالغة.. والدليل على ذلك قراءة اليماني:﴿ وَتَرَكَهُمْ فِي ظُلُمَة﴾، على التوحيد.

ومفعول قوله:﴿ لَا يُبْصِرُونَ ﴾ محذوف
لقصد عموم نفي المبصرات، فتنزل الفعل منزلة اللازم، ولا يقدَّر له مفعول؛
كأنه قيل: لا إحساس بصر لهم. وهذا ما أشار إليه الزمخشري بقوله:والمفعول الساقط من﴿ لاَّ يُبْصِرُونَ ﴾من قبيل المتروك المُطرَح، الذي لا يلتفت إلى إخطاره بالبال، لا من قبيل المقدر المنوي، كأنَّ الفعل غير متعدٍّ أصلاً؛ نحو﴿ يَعْمَهُونَ ﴾في قوله تعالى:﴿وَيَذَرُهُمْ فِيْ طُغْيَـٰنِهِمْ يَعْمَهُونَ﴾ .


وفي نفي الفعل بـ﴿لا ﴾دلالة على طول
النفي وامتداده، واستحالة وقوع المنفي بها أبدًا. وفي إطلاق فعل الإبصار،
دون تقييده بمفعول محدد دلالة على أنهم في عمًى تام، لا يبصرون شيئًا؛
ولهذا أتبِع بقوله تعالى:
﴿ صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لَا يَرْجِعُونَ .

أما قوله تعالى:﴿صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ ﴾فقيل: مرفوع على الاستئناف، على أنه خبر واحد لمبتدأ محذوف، هو ضمير المنافقين. أو أخبار، وتؤول إلى عدم قبولهم الحق.أي: هم صم بكم عمي.

وإذا
كان ظاهر اللفظ يوحي بأنهم متصفون بالصمم، والبكم، والعمى، فإن الله
تعالى قد بيّن في موضع آخر أن معنى صممهم، وبكمهم، وعماهم هو عدم انتفاعهم
بأسماعهم، وقلوبهم، وأبصارهم، فقال جلّ جلاله:


﴿ وَجَعَلْنَا
لَهُمْ سَمْعاً وَأَبْصَـاراً وَأَفْئِدَةً فَمَا أَغْنَىٰ عَنْهُمْ
سَمْعُهُمْ وَلاَ أَبْصَـارُهُمْ وَلاَ أَفْئِدَتُهُمْ مّن شَيْء إِذْ
كَانُواْ يَجْحَدُونَ ِبآيَاتِ اللَّهِ وَحَاقَ بِهِم مَّا كَانُوا بِهِ
يَسْتَهْزِئُون﴾
(الأحقاف:26).

فدل
ذلك على أنهم، وإن كانوا سمعاء الآذان، فصحاء الألسن، بصراء الأعين، إلا
أنهم لمَّا لم يصيخوا للحق، وأبت أن تنطق بسائره ألسنتهم، ولم يتلمحوا
أدلة الهدى المنصوبة في الآفاق والأنفس، وصفوا بما وصفوا به من الصمم
والبكم والعمى؛ كقوله:


صُم إذا سَمِعُوا خَيْراً ذُكِرْتُ بِه *** وإنْ ذُكِرْتُ بُسوءٍ عِنْدَهُمْ أَذِنُوا

وقيل: الآية هي تتمَّة للتمثيل، وتكميل له بأن ما أصابهم ليس مجرد ذهاب نورهم،وبقائهم
في ظلمات كثيفة هائلة، مع بقاء حاسة البصر بحالها؛ بل اختلت مشاعرهم
جميعًا، واتصفوا بتلك الصفات على طريقة التشبيه، أو على الحقيقة
؛ إذ لا يبعد- كما قيل- فقد الحواس ممن وقع في ظلمات مخوفة هائلة؛ إذ ربما يؤدي ذلك إلى الموت، فضلاًعن ذلك.

ويؤيد كونها تتمة للتمثيل، وتكميلاً له قراءة ابنمسعود، وحفصة أم المؤمنين، رضي الله تعالى عنهما:﴿صُمًّا بُكْمًا عُمْيًا فَهُمْ لا يَرْجِعُونَ بالنصب. ونصبُه من وجهين: أحدهما:على
معنى: تركهم صمّاً بكمًا عميًا. والثاني: على معنى الذم، فيكون كلامًا
مستأنفًا. والعرب تنصب بالذمِّ وبالمدح؛ لأن فيه مع الأسماء مثل معنى
قولهم: وَيْلاً له، وثَوَابًا له, وبُعْدًا وسَقْيًا ورَعْيًا.


ومثله على القراءتين قوله تعالى:﴿ إنَّ اللهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ إلى قوله تعالى:﴿ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (التوبة:111). ثم قال جل وجهه:﴿ التَّائِبُونَ الْعَابِدُونَ الْحامِدُونَ.. ، بالرفع في قراءة الجمهور، وفى قراءة عبد الله بن مسعود:﴿ التَّائِبُينَ الْعَابِدُينَ الْحامِدُينَ.. (التوبة:112).

وكان ظاهر الكلام يقتضي أن يكون ترتيب هذه الصفات هكذا:﴿ عميٌ، بكمٌ، صمٌّ ﴾- كما في قوله تعالى:﴿ وَنَحْشُرُهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَى وُجُوهِهِمْ عُمْياً وَبُكْماً وَصُمّاً ﴾(الإسراء:97)- ولكن جاء ترتيبها، على وفق حال المُمَثـَّل له، خلافًا للظاهر:﴿ صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ ﴾؛ لأنه يسمع أولا دعوة الحقِّ، ثم يجيب ويعترف، ثم يتأمَّل ويتبصَّر.

وقيل:
قدِّم الصَّمَم؛ لأنه إذا كان خَلقيًا يستلزم البَكَم، وأخِّر العمَى؛
لأنه- كما قيل- شامل لعمى القلب الحاصل من طرق المبصرات والحواس الظاهرة،
وهو بهذا المعنى متأخر؛ لأنه معقول صِرْف، ولو توسَّط
، حلَّ بين العصا ولحائها. ولو قدِّم، لأوهِم تعلقه بـقوله:﴿لا يُبْصِرُونَ ﴾.

وأما قوله تعالى:﴿ فَهُمْ لَا يَرْجِعُونَ ﴾فقيل: المراد به: أنهم لا يرجعون إلى الهدى بعد أن باعوه، أو عن الضلالة بعد أن اشتروها. وكلاهما مبنيٌّ على أن وجه التشبيه في التمثيل مستنبط من قوله تعالى:﴿أُولَئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الضَّلَالَةَ بِالْهُدَى ﴾(البقرة:16).

والصواب- على ما قيل- أن المراد به: أنهم لا يرجعون إلى حيث ابتدءوا منه ما داموا على هذه الحال، على تقدير أن يكون من﴿ ذَهَبَ اللَّهُ بِنُورِهِمْ وَتَرَكَهُمْ فِي ظُلُمَاتٍ لَا يُبْصِرُونَ ﴾بأن
يراد به: أنهم غِبَّ الإضاءة خبطوا في ظلمة، وتورطوا في حيرة. فالمراد
هنا: أنهم بمنزلة المتحيرين، الذين بقوا جامدين في مكانهم، لا يبرحون، ولا
يدرون: أيتقدمون، أم يتأخرون؟ وكيف يرجعون إلى حيث ابتدءوا منه، والأعمى
لا ينظر طريق
ًا، والأبكم لا يسأل عنها، والأصم لا يسمع صوتًا من صوب مرجعه، فيهتدي به. أما الفاء في قوله تعالى:﴿ فَهُمْ ﴾ فهي للدلالة على أن اتصافهمبما تقدم سبب لتحيرهم واحتباسهم، كيفما كانوا.

هذا هو مثل المنافقين، الذين لم يصحبهم نور الإيمان في الدنيا؛بل خرجوا منه وفارقوه،بعد أن استضاءؤا به، وهم يحملون أوزارهم.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
hattem
عضو برونزي
عضو برونزي
hattem


تاريخ التسجيل : 11/08/2011
المشاركات : 460
العمر : 32
تقيمي : 0
الجنس : ذكر
الدولة : من أسرار البيان في أمثال القرآن: مثل المنافقين  Soudia10
المهنه : 2
الهواية : من أسرار البيان في أمثال القرآن: مثل المنافقين  Riding10
المزاج : من أسرار البيان في أمثال القرآن: مثل المنافقين  Pi-ca-10
من أسرار البيان في أمثال القرآن: مثل المنافقين  2i8ugs10

من أسرار البيان في أمثال القرآن: مثل المنافقين  Empty
مُساهمةموضوع: رد: من أسرار البيان في أمثال القرآن: مثل المنافقين    من أسرار البيان في أمثال القرآن: مثل المنافقين  Emptyالأحد 14 أغسطس 2011 - 12:04

يعطيك العافيه عالموضوع الجميل
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
من أسرار البيان في أمثال القرآن: مثل المنافقين
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
»  الجزء الثاني من أسرار البيان في أمثال القرآن: مثل المنافقين
»  من روائع البيان في نظم القرآن
» من أسرار الإعجاز البياني في القرآن الذين كفروا بربهم أعمالهم كسراب
» من أسرار الأسماء - الكعبة
» من معاني تدبر القرآن الكريم ( التعرف على القرآن الكريم )

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
منتديات رومانسية الحياه :: المنتديات العامة :: آلمنتدى آلآسلآمي-
انتقل الى: