بسم الله الرحمن الرحيم
.
هلال خير وبركة ، أطل علينا من بعيد ، فيا مرحباً بمقدم الضيف الحبيب ، أطل
علينا سيد الشهور، وأفضلها على مر العصور، شهر القرآن والصيام والقيام ،
شهر جعل الله صيامه فريضة ، وقيام ليله تطوعاً وفضيلة ، تُفتح فيه أبواب
الجنان، وتُغلق فيه أبواب النيران ، وتصفد فيه الشياطين .
شهر المغفرة والرحمات والعتق من النيران ، شهر الصبر والمواساة ، شهر
التكافل والتراحم، شهر التناصر والتعاون ، شهر الفتوحات والانتصارات، شهر
تُرفع فيه الدرجات، وتُضاعف فيه الحسنات، وتُكفّر فيه السيئات، شهر فيه
ليلة خير من ألف شهر، من حُرم خيرها فقد حرم ، ومن نال أجرها فقد فاز وغنم.
غمرت فرحة مقدمه الأفئدة ، وتلألأت به وجوه خاشعة ، وانشرحت فيه صدور
مؤمنة.
لو تكلمنا عن فضائله لما وسعنا الزمان في ذكر محاسنه ، ويكفي لنا قول خير
من صلى وصام عن شهر الصيام : (( أَتَاكُمْ رَمَضَانُ شَهْرٌ مُبَارَكٌ ،
فَرَضَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ عَلَيْكُمْ صِيَامَهُ ، تُفْتَحُ فِيهِ
أَبْوَابُ السَّمَاءِ ، وَتُغْلَقُ فِيهِ أَبْوَابُ الْجَحِيمِ ، وَتُغَلُّ
فِيهِ مَرَدَةُ الشَّيَاطِينِ ، لِلَّهِ فِيهِ لَيْلَةٌ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ
شَهْرٍ ، مَنْ حُرِمَ خَيْرَهَا فَقَدْ حُرِمَ )) .
فمرحباً بنفحات الجنة ، ورضا الرحمن ، فالزائر قد طالت غيبته ، وعظمة
مكانته ، له في النفس شوقا ، وكيف لا وهو طريق الجنة ، أجوره مضاعفة ،
وأعماله مباركة ، قال عنه النبي صلى الله عليه وسلم : (( كُلُّ عَمَلِ
ابْنِ آدَمَ يُضَاعَفُ الْحَسَنَةُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا إِلَى سَبْعمِائَة
ضِعْفٍ، قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: إِلَّا الصَّوْمَ ، فَإِنَّهُ لِي
وَأَنَا أَجْزِي بِهِ، يَدَعُ شَهْوَتَهُ وَطَعَامَهُ مِنْ أَجْلِي،
لِلصَّائِمِ فَرْحَتَانِ؛ فَرْحَةٌ عِنْدَ فِطْرِهِ، وَفَرْحَةٌ عِنْدَ
لِقَاءِ رَبِّهِ، وَلَخُلُوفُ فِيهِ أَطْيَبُ عِنْدَ اللَّهِ مِنْ رِيحِ
الْمِسْكِ )) .
فلنتعرض لنفحات الله تعالى في هذا الشهر الكريم ، ولنعقد العزم من أول يوم
من أيامه أن نكون إلى الله أقرب وعن النار أبعد ، لكي لا نضيع فرصاً قد أتت
، فلعلنا لا ندرك رمضان ، ولعل رمضان يأتي ولا يلقانا ، فكم من عزيز كان
معنا في رمضان الماضي وهو الآن تحت الثرى .
وهذه ثلاث نفحات ربانية ، وبشارات نبوية ، ينبغي للمسلم اغتنامها والتعرض
لها، أولها : قول النبي صلى الله عليه وسلم : (( مَنْ صَامَ رَمَضَانَ
إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا ، غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ ((،
وثانيها : قوله صلى الله عليه وسلم : (( مَنْ قَامَ رَمَضَانَ إِيمَانًا
وَاحْتِسَابًا غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ )) ، وثالثها :
قوله النبي صلى الله عليه وسلم: (( مِنْ قَامَ لَيْلَةَ الْقَدْرِ
إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا ، غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ )) .
فالله الله في الصيام ، والله الله في القيام ، والله الله في ليلة القدر .[/size]